تُعد صعوبات اللغة والتواصل من أكثر التحديات شيوعًا في مرحلة الطفولة المبكرة، لكن التمييز بين التأخر اللغوي واضطراب طيف التوحد هو أمر بالغ الأهمية لضمان التدخل المبكر والفعال. ورغم وجود أوجه تشابه بين الحالتين، إلا أن كلًّا منهما يتميز بنمط خاص من الأعراض والاحتياجات العلاجية.

أولًا: تعريف التأخر اللغوي

التأخر اللغوي هو تأخر في تطور مهارات اللغة عند الطفل مقارنة بالمستوى المتوقع لعمره، دون وجود أي اضطرابات عصبية أو معرفية. قد يشمل التأخر اللغوي تأخرًا في:

1. النطق (مثل قلة عدد الكلمات التي ينطقها الطفل).

2. الفهم (صعوبة استيعاب الكلمات أو الجمل).

3. التواصل التعبيري (استخدام الكلمات والجمل بطريقة صحيحة).

مثال 

طفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات لا يستطيع تكوين جمل مكونة من كلمتين أو أكثر، لكنه يلتفت إلى اسمه ويتفاعل مع والديه عندما يُنادونه.

ثانيًا: تعريف اضطراب طيف التوحد

اضطراب طيف التوحد هو اضطراب نمائي عصبي يتميز بصعوبات في:

1. التواصل الاجتماعي (مثل صعوبة فهم الإشارات غير اللفظية مثل تعابير الوجه).

2. التفاعل الاجتماعي (مثل قلة الاهتمام بالأشخاص مقابل الأشياء).

3. السلوكيات النمطية أو الاهتمامات المحدودة والمتكررة.

مثال 

طفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات لا يلتفت عند مناداته باسمه، ويفضل تكرار حركات معينة مثل الدوران حول نفسه، ولا يُظهر اهتمامًا بالتفاعل مع الأطفال الآخرين.

الفرق الجوهري بين التأخر اللغوي والتوحد

1. التفاعل الاجتماعي

– التأخر اللغوي: الطفل يظهر تفاعلًا اجتماعيًا طبيعيًا مثل اللعب مع الآخرين أو التفاعل البصري مع والديه.

– التوحد: يعاني الطفل من صعوبة في التفاعل الاجتماعي، مثل تجنب النظر في عيون الآخرين أو إظهار عدم اهتمام بالتواصل مع الأشخاص.

مثال

– طفل لديه تأخر لغوي قد يُشير إلى لعبة يريدها، لكنه يستخدم إشارات أو أصوات بسيطة.

– طفل لديه توحد قد لا يُظهر اهتمامًا باللعبة أو الشخص الذي يحملها.

2. الاستجابة للإشارات الاجتماعية

– التأخر اللغوي: الطفل يستجيب عند مناداته باسمه أو عند إعطائه تعليمات غير لفظية.

– التوحد: الطفل قد لا يستجيب لاسمه أو يتجاهل التعليمات البسيطة.

مثال

– طفل متأخر لغوي قد لا يتحدث جيدًا، لكنه يُظهر حماسًا عند سماع صوت والديه.

– طفل توحدي قد يُظهر تجاهلًا كاملاً لوجود والديه في الغرفة.

3. السلوكيات النمطية

– التأخر اللغوي: نادرًا ما يُظهر الطفل سلوكيات نمطية مثل التكرار المفرط لحركات أو أفعال معينة.

– التوحد: تظهر سلوكيات نمطية بوضوح، مثل التلويح باليدين بشكل متكرر أو التعلق بروتين معين بشكل قهري.

4. تطور اللغة

– التأخر اللغوي: يرتبط التأخر اللغوي فقط بالكلام، بينما يكون فهم اللغة لدى الطفل في حدود مقبولة.

– التوحد: يعاني الطفل من صعوبات في اللغة وفهمها ضمن السياق الاجتماعي.

مثال

– طفل متأخر لغوي قد يقول: “ماما هنا” بشكل غير واضح، لكنه يُظهر الفرح عند رؤية والدته.

– طفل توحدي قد يُكرر عبارة “ماما هنا” بطريقة آلية دون فهم معناها.

التشخيص والاختبارات

1. أدوات تقييم التأخر اللغوي

– اختبار تقييم اللغة الشفوية (مثل Peabody Picture Vocabulary Test).

– ملاحظة الطفل في مواقف طبيعية.

2. أدوات تقييم التوحد

– مقابلة تشخيص التوحد (ADI-R).

– مقياس ملاحظة التوحد للأطفال (ADOS).

– تقييم السلوكيات النمطية والتفاعل الاجتماعي.

التدخلات العلاجية

1. التأخر اللغوي

– جلسات علاج النطق.

– تعزيز التفاعل اللغوي في البيئة المنزلية (مثل القراءة للطفل).

2. التوحد

– التدخل السلوكي (مثل Applied Behavior Analysis – ABA).

– تدريب الوالدين على تحسين التواصل الاجتماعي.

– برامج دعم اللغة مثل PECS (نظام التواصل عبر تبادل الصور).

في الأخير يمكننا القول ان التفرقة بين التأخر اللغوي واضطراب التوحد يعتمد على فهم أبعاد اللغة والتفاعل الاجتماعي والسلوكيات النمطية عند الطفل . كما أن التشخيص المبكر باستخدام أدوات علمية مناسبة يُسهم في تصميم خطة علاجية فعّالة تعزز تطور الطفل وتقلل من تأثير المشكلة على حياته المستقبلية.